انتقيت لكم هذه المقاله التي راقت لي كثيراً وهي تحاكي واقع مجتمعنا الذي نعيش فيه..
اتركم مع هذه المقاله الأكثر من رائعة..
يــــــاذوق..
من خلال تتبُّع النظر في أحوال المجتمع، وجدت للأسف أننا نعاني من أميّة في الاتيكيت وانحسار مخيف للذّوق، وتلك مشاهد مؤلمة رصدتها في مجتمعنا على سبيل المثال لا الحصر:
جولة صغيرة في شوارعنا وستجد العجب فمن الطبيعي أن تجد من يفتح نافذته ويلقي بالقاذورات أو من يبصق لا يعوقه حياء ولا يصدُّه مانع!! وسيكون يوماً استثنائياً إذا لم يتجاوزك أحدهم بتهوُّر وحمق، ومن الطبيعي جداً أن تخرج من مكان عام وتجد من أوقف سيارته أمام سيارتك وسدّ عليك الخروج، ! وكذلك ما نراه من قلّة ذوق بعض السائقين حيث الاستيلاء على موقف يتسع لثلاث سيارات دون أيّ مراعاة للآخرين، ناهيك عن الاحترافية العالية التي تُمارس في النظر إلى النساء عند إشارات المرور!
اذهب إلى المستشفيات والدوائر الحكومية والمطارات وستجد أنّ كلمة (طابور) غير معترف بها البتّة والأفضلية ليست لمن تقدّم في مواطن الزحام بل للأشجع والأجرأ!!
وأما العناية بالممتلكات العامة فحدّث ولا حرج، فوالله لم أشاهد في حياتي أقذر من دورات المياه العامة لدينا والحديث عن طوامها لا يخفاكم!
وأما مجالسنا ففيها الكثير ممن نضب حياؤه وغلظ طبعه، وقلَّ ذوقه وإن حسُن وجه ولكن ما كل برق خلب وما كل مائع ماء، يجتهد في شحذ لسانه للنّيل من الآخرين وتتبُّع أخطائهم والاستمتاع بمواجهتهم بما يكرهون، فإذا ما وجد فرصة أقدم بعنترية وأطلق لسانه ورفع صوته مؤذياً الحاضرين بقسوة انتقاداته وأسئلته المحرجة. إضافة إلى حديثة بما لا يتوافق مع طبيعة الموجودين والتعالي عليهم وتحقير آرائهم وتكذبيهم!
لذا فالجميع في حضرته وجل من أن يزل أو يفرط عليه! وهو في شدة وطأته على الجلساء أثقل من رقيب على عاشق!
وذاك شابٌ غرٌ لم يتجاوز العشرين رأيته في مناسبة ما يتقدم على والده لم يرع أبوّة ولم يقدّر شيبة ولم يكتف بهذا، بل تربّع في صدر المجلس متجاوزاً والده ولا تسل عن نظرات الحزن التي يكاد يشرق به الأب عوّضه الله خيراً!
ويدخل في قلّة الذّوق ما يفعله البعض إذا ما ظفروا بزلّة منك فكأنهم ظفروا بالدينار في حقيبة السارق، حيث لغة الشماتة والنُّصح بلهجة صلفة ونبرة موحشة، توغر القلب وتؤجِّج الأحقاد وتجلب الضغائن
ومن قلّة الذّوق في الأسواق ما تفعله بعض النساء من اللواتي مات حسُّهن من رفع للصوت تمجُّه الأذواق السليمة ويلفظه الحسّ السوي، فتجد آخر من في السوق يسمعها تنادي أولادها وكذلك ما يكون من مبالغة وإلحاح في المفاصلة، وللبائع الويل والثبور إذا لم يوافق على السعر المقترح، فعندها ستكون بضاعته الأسوأ وأخلاقه الأقبح!!
وكذلك ما يكون في المكالمات الهاتفية، حيث عدم مراعاة أوقات الاتصال ولا حال المتصل عليه ولو اعتذرت منه واستعفيته وكاشفته بعذرك لم يقبل وربما نال منك وخاض في عرضك!
وقفة:
الذّوقُ مفردة عذبة، كلمةٌ جميلة تنساب بين حروفها معاني اللّطف والرّقة وتوحي بالرّقي وجمال التربية، وتعبق بطيب النفس وجودة التهذيب والإحساس بالآخرين، والذّوق ليس درباً لكسب المال أو الوصول لأعلى المناصب، بل هو حالة من السمو والجمال يرتقى بها البشر إلى مرتبة عالية في سلّم الإنسانية، والناس إنْ أرادوا الثناء على أحدهم والرفع من قدره قالوا: فلان ذوق. فصاحب الذّوق الراقي يجتهد في انتقاء مفرداته وسلوكيّاته خشية جرح الآخرين أو الإضرار بهم، لهذا هم نزلوا من نفوس الناس منزل الحب والاحترام، وعند الكاتب أحمد أمين أنّ من علامات السعادة للإنسان أن يرزق ذوقاً سليماً مهذّباً، فصاحب الذّوق السليم قادرٌ على استجلاب القلوب، وإدخال السرور على نفسه وعلى من حوله، وتجده يأنف من الكلمات الخادشة والتصرُّفات المبتذلة.
فيا ليت فنون الذّوق تلقى اهتماماً في التعليم والإعلام لعلّ الأحوال تتحسن، وهنا أزف بشرى لك أيها العزيز بأنني على مشارف الانتهاء من إعداد أشمل دليل عربي للذّوق العام والاتيكيت، وسيكون قريباً في المكتبات بإذن الله، كونوا معي الأسبوع القادم لذكر جملة من أروع المشاهد التي تجلّت فيها قيمة الذّوق الرفيع.
ومضة قلم:
لا تكن أسهل ما في الحياة ولا أصعب ما فيها، بل كن أنت الحياة في أسمى معانيها
بقلم د/خالد بن صالح المنيف