الدلالات العلمية للآية الكريمة
في قوله ـ تعالي ـ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ ...:
جاءت لفظة السماء في ثلاثمائة وعشرة مواضع من القرآن الكريم, منها مائة وعشرون بالإفراد( السماء).. ومائة وتسعون بالجمع( السماوات). كذلك جاءت الإشارة إلي( السماوات والأرض وما بينما) في عشرين موضعا من تلك المواضع, وجاء ذكر السحاب المسخر بين السماء والأرض في موضع واحد( الآية164 من سورة البقرة) والتي تشير إلي أن نطاق المناخ المحتوي علي السحب هو الفاصل بين الأرض والسماء وهو نطاق لا يتعدي سمكه16 كيلو مترا فوق خط الاستواء ويحوي اغلب مادة الغلاف الغازي للأرض75% بالكتلة وبناء علي ذلك فإن السماء في القرآن الكريم تشمل كل ما يحيط بالأرض بدءا من نهاية نطاق المناخ إلي نهاية الكون التي لا يعلمها إلا الله تعالي, وتشير آيات القرآن الكريم إلي أن الله ـ سبحانه وتعالي ـ خلق سماء واحدة وأرضا واحدة, ثم مايز كلا منهما إلي سبعة نطق متطابقة حول مركز واحد يغلف الخارج منها الداخل فيها بمعني أن يكون جميع ما في السماء الدنيا داخلا في باقي السماوات ولذلك قال عز من قائل: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً﴾ ( الطلاق:12)وقال- تعالي: ﴿أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقاً * وَجَعَلَ القَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجاً﴾ ( نوح:16,15).
وقال ـ سبحانه: ﴿الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقاً مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ البَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ*ثُمَّ ارْجِعِ البَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ البَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ *وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِّلشَّيَاطِينِ واعتدنا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِير﴾(الملك:3-5).وجاء ذكر السماوات السبع في سبع آيات قرآنية كريمة, ويشير هذا الكتاب العزيز إلي أن النجوم والكواكب هي من مميزات السماء الدنيا فقط وذلك بقول الحق تبارك وتعالي:﴿إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الكَوَاكِبِ ( الصافات:6) وقوله ـ تعالي:﴿ وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ العَزِيزِ العَلِيمِ ﴾ ( فصلت:12).وقوله- سبحانه:﴿ وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ ..﴾ (الملك:5).
ويقدر علماء الفلك قطر الجزء المدرك من الكون بأكثر من خمسة وعشرين بليونا من السنين الضوئية(25 بليون*9,5 مليون مليون كم) وهذا الجزء من السماء الدنيا دائم الاتساع إلي نهاية لا يعلمها إلا الله تعالي, وبسرعات لا يمكن للإنسان اللحاق بها وذلك لأن سرعة بعض المجرات عنا وعن بعضها البعض تقترب من ثلاثة أرباع سرعة الضوء المقدرة بحوالي ثلاثمائة ألف كيلو متر في الثانية.
وهذا الجزء المدرك من السماء الدنيا مبني بإحكام بالغ, ودقة فائقة, وعلي وتيرة واحدة, تبدأ بتجمعات حول نجم من النجوم من مثل مجموعتنا الشمسية التي تضم عددا من الكواكب والكويكبات والأقمار والمذنبات التي يدور كل منها في مدار محدد له حول الشمس وتنطوي ملايين الملايين من هذه المجموعات في وحدات أكبر هي المجرات وتكون عشرات من المجرات المتقاربة ما يعرف باسم المجموعات المحلية وتلتقي المجموعات المحلية فيما يعرف باسم الحشود المجرية وتلتقي هذه في الحشود المجرية العظمي إلي ما هو اكبر من ذلك حتى نهاية السماء الدنيا.والحشد المحلي الأعظم الذي تنتسب إليه مجرتنا يضم مائة من الحشود المجرية علي هيئة قرص يبلغ قطره مائة مليون من السنين الضوئية, وسمكه عشر ذلك, وهي نفس النسبة بين طول قطر مجرتنا وسمكها وقد اكتشف مؤخرا حشد مجري عظيم آخر يبلغ طوله بليون ونصف البليون من السنين الضوئية, وسمكه مائتي مليون سنة ضوئية. وتدرس السماء الدنيا حاليا في شرائح تقدر أبعادها بحوالي(150 مليون*100 مليون*15 مليون سنة ضوئية), ووصل طول احدي هذه الشرائح إلي(250 مليون سنة ضوئية).
ومجرتنا( درب اللبانة) عبارة عن قرص مفرطح يقدر قطره بمائة ألف سنة ضوئية, وسمكه بعشر ذلك, ويضم ما بين مائة بليون إلي تريليون نجم في مراحل مختلفة من العمر.ومن المنطقي أن يكون لعدد من هذه النجوم توابع كما لشمسنا عدد من التوابع. وتدور مجرتنا دورة كاملة حول مركزها في مدة تقدر بحوالي225 مليون سنة من سنيننا, وهذا هو يومها.وهذه الوحدات من اللبنات الأولية للمادة إلي نهاية الجزء المدرك من الكون مرتبطة بعدد من القوي التي تعرف منها القوتان النوويتان الشديدة والضعيفة, والقوة الكهرومغناطيسية, وقوة الجاذبية, والتي يري العديد من العلماء أنها صور متعددة لقوة واحدة يحاول العلماء الوصول إليها فيما يسمي باسم نظريات التوحيد الكبرى أو الجاذبية العظمي وفي هذا السبيل تم اقتراح نظرية الخيوط العظمي التي تفترض أن اللبنات الأساسية للمادة تكون من خيوط طولية غاية في دقة السمك, تلتف حول ذواتها, فتبدو كما لو كانت نقاطا متناهية في الصغر.
أما الأرض فهي كوكب صخري, شبه كروي, يبلغ متوسط قطره(12,742 كم) وكتلته حوالي( ستة آلاف مليون مليون مليون طن), ويتكون من سبعة نطق متطابقة حول مركز واحد هي علي النحو التالي:
1ـ قشرة الأرض( الأرض الأولي).
2ـ ما دون القشرة( الأرض الثانية).
3ـ نطاق الضعف الأرضي( الأرض الثالثة).
4ـ الوشاح الأعلى( الأرض الرابعة).
5ـ الوشاح الأسفل( الأرض الخامسة).
6ـ اللب السائل( الأرض السادسة).
7ـ اللب الصلب( الأرض السابعة).
والأرض كوكب فريد في كثير من صفاته التي هيأها له الخالق سبحانه وتعالي ليجعله صالحا للحياة التي نعهدها عليه, ومن ذلك أبعاده من ناحية الحجم, ومتوسط الكثافة, والكتلة, والتركيب الداخلي, والبنيات الخارجية, ونطق الهواء, والماء, والحياة, والصخور المحيطة به, والعمليات الداخلية البانية والهادمة فيه, والعمليات الخارجية المشكلة لسطحه, ودورات الماء, والهواء, والصخور, والحياة المستمرة من حوله, كل ذلك وغيره من صفات الأرض التي نحيا عليها, نموت وندفن في ترابها يتم حسب قوانين ثابتة منضبطة لا تتوقف, ولا تتعطل, ولا تتخلف إلي أن يشاء الله.
والبينية الفاصلة بين السماوات والأرض تشير إلي حقيقتين هامتين توصلت المعارف المكتسبة إلي واحدة منهما, ولن تستطيع أبدا إثبات الثانية. والحقيقة الأولي هي أن الغلاف الغازي في نطاق الرجع( نطاق المناخ والسحب) ليس من الأرض بالكامل ولا من السماء بالكامل, ولكنه خليط من مادتي الأرض والسماء, تكون باندفاع كميات هائلة من غازات وأبخرة البراكين الأرضية, واختلاط هذه الغازات والأبخرة بالمادة بين الكواكب فتكون هذا النطاق البيني, وهي حقيقة لم يدكها العلماء إلا في القرن العشرين أما الحقيقة الثانية فهي مركزية الأرض من الكون, وهي مما لا يستطيع الإنسان إثباته لضخامة الكون وضآلة حجم الأرض. من هنا كانت الإشارة القرآنية الكريمة إلي البينية الفاصلة بين السماء والأرض في عشرين آية قرآنية كريمة بما فيها الآية التي نحن بصددها- تأكيدا علي هذه المركزية التي لا يمكن للبينية أن تتحقق بدونها ولذلك قال تعالي: وما خلقنا السـماوات والأرض وما بينهـما إلا بالحق.